عزيزنا دولة الأخ علي أبو الراغب حفظة الله ورعاه،
يسرني أن ابعث إليك بتحية عربية هاشمية ، ملؤها المودة والاحترام والتقدير وبعد،
فقد عرفتك منذ سنين خلت أخا كريما ، وكنت أرى فيك على الدوام مثال للمواطن الأردني المنتمي لوطنه وأمته ، الحريص على النهوض بالواجب بشرف وأمانة وإخلاص وشجاعة ، وبروح الإيثار ونكران الذات ، وقد جمعت إلى جانب هذه السجايا الحميدة ، فضائل التسلح بالعلم والمعرفة ، والكفاءة والتميز في كل مواقع المسؤولية التي تبوأتها.
وانطلاقا من القناعة الراسخة لديّ ، فإنه ليسرني أن اعهد إليك بتشكيل ورئاسة حكومة جديدة تخلف لحكومة الأخ عبد الرؤوف الروابدة التي نهضت بأمانة المسؤولية وتصدت للعديد من المشكلات التي كانت تعاني منها لمسيرتنا الوطنية والاقتصادية، وقد أدت تلك الحكومة واجبها ونهضت بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها بإخلاص وتفان في العمل وحققت العديد من الإنجازات التي ستظل موقع تقديرنا واحترامنا ضمن المرحلة والظروف التي تعاملت معها خلال العام الماضي.
أما وقد عهدت إليك بتحمل أمانة المسؤولية ، فإنني أتطلع إلى تشكيل حكومة جديدة من الشخصيات السياسية والاقتصادية المعروفة بالكفاءة والنزاهة والأمانة ، والقادرة على تحمل المسؤولية وأداء الواجب في هذه المرحلة التي يمر بها بلدنا وأمتنا والعالم من حولنا ،والتي تتميز بالعو لمة والمتغيرات العديدة المتسارعة ، مما يشكل تحديا واضحا لنا جميعا أفرادا ومؤسسات ، وهذا يستدعي أن نكون دائما على أهبة الاستعداد والقدرة على التعامل مع هذه المستجدات ، ومواكبة ومجاراة التطورات العالمية من حولنا دون ان نتخلى عن قيمنا وثقافتنا وثوابتنا الوطنية ، آخذين بعين الاعتبار أن الأردن كان دائما وريث الثورة العربية الكبرى ومبادئها السمحة النبيلة ، وفي مقدمتها العدالة والمساواة ، والتسامح والحفاظ على كرامة الإنسان. وعلى ذلك فإنني أضع أمامك وأمام زملائك الذين سيقع عليهم اختيارك لتحمل المسؤولية معا ، الأسس والمهمات التي آمل من الحكومة تنفيذها والالتزام بها :
أولا: إن أول الأهداف وأنبلها هو الحفاظ على الوحدة الوطنيــة ، فالجبهة الداخلية المتماسكة التي تسود بين أفرادها روح المحبة والفريق الواحد ، هي وحدها التي تصون الأردن وتحميه وتعزز تطوره وازدهاره وتحافظ على أمنه واستقراره ، وفي هذا المجال لا بد من العمل على تحقيق المساواة بين جميع المواطنين من حيث الحقوق والواجبات بعدالة مطلقة وشفافية ناصعة ، وذلك تجسيدا للقاعدة الدستورية التي تنص على إن الأردنيين متساوون من حيث الحقوق والواجبات ، ومن هنا فلا بد من الالتزام بمبداء المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ، واعتماد الكفاءة والأهلية معيارا أساسيا لتقليد الوظائف العامة والمناصب القيادية في الدولة .
وينبغي أن نعمل مجتمعين لنؤسس لميثاق شرف يضع حدا لكل أشكال الوساطة والمحسوبية والشللية ، بحيث يستقر في وجدان كل مواطن أن هذه المظاهر السلبية هي عيب على كل من يؤمن بها أو يمارسها ، وذلك وصولا إلى إلغاء وتجاوز كل مظهر من مظاهر التميز والاستثناء بين شرائح المجتمع . ذلك أن التعددية بكافة أشكالها هي خصيصة من خصائص المجتمع الأردني ، وينبغي أن تكون عامل قوة لبلدنا ، وعامل إثراء لمسيرته الخيرة ،،
ولا يصح تحت أي ذريعة كانت أن تستغل هذه التعددية من أي طرف ، وتحت أي طرف ، لتصبح مدخلا للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها ، فالانتماء للأردن والالتزام بالأمن الوطني مسؤولية تقع على عاتق المواطنين جميعا ودون استثناء .
ثانيا: إن الديمقراطية نهتج حياة ارتضيناه لأنفسنا ولن نحيد عنه مهما كانت الصعوبات والتحديات ، والديمقراطية في نظرنا تمثل الركيزة والأرضية الراسخة لبناء أردن عزيز قوي بمجموع طاقات شعبه وقدراته . وحتى نتمكن من الحفاظ على مسيرتنا الديموقراطية وفتح الآفاق أمامها حتى تنمو وتزدهر فلا بد لنا من ممارسة هذا النهج الديموقراطي بروح عالية من الشعور بالمسؤولية وبفهم عميق لمعنى الحرية ، فالحرية لا تعني ابدا الاعتداء على حريات الآخرين أفرادا او جماعات وليس هناك حرية دون ضوابط قانونية وأخلاقية وسلوكية تنبع من قيم المجتمع ومن تراثه وثقافته ،وخلاصة القول في هذا الأمر ان الديموقراطية التي نتحدث عنها هي الديموقراطية التي تستلهم روح الدستور ، وان الحرية المسؤولة هي التي تلتزم بسيادة القانون وتحترم قيم وثقافة هذا المجتمع .
اما الاختلاف في الرأي والاجتهاد في الفهم فتلك أمور مشروعة ومطلوبة ما دامت لا تتعارض مع الدستور ، وما دامت لا تفضي إلى فتنة او إلى تمزيق نسيج الوحدة الوطنية،ولا تؤدي الى زعزعة الأمن أو الأضرار بسمعة الوطن وصورته ، ولا تؤثر على أوضاعه الاقتصادية من خلال خلق أجواء البلبلة والتشويش. ومن هنا فإننا نرحب بالمعارضة الوطنية ،ونتفهم دورها في إثراء مسيرتنا الوطنية ورفدها بما لدى هذه المعارضة من خبرات ووجهات نظر تسهم في الارتقاء بالوطن وبناء مستقبله المشرق بإذن الله ، و أود إن أشير هنا إلى ضرورة وضع حد لمقاومة وعرقلة الاستثمارات الأجنبية تحت شعارات تجاوزتها الأحداث .
ثالثاً : أن الديموقراطية لا تكتمل إلا بالتعددية السياسة ، وعلى ذلك فإننا نؤيد تشكيل الأحزاب الوطنية والانضمام إليها ما دامت هذه الأحزاب تستلهم روح الدستور وتلتزم القوانين المنبثقة عنه . وندعو جميع المواطنين للمشاركة والمساهمة في عملية التنمية الوطنية السياسية، عن طريق المشاركة بالانتخابات النيابية وإنني أؤكد هنا على ما قلته في الكلمة التي وجهتها لأسرتنا لأردنية الواحدة في عيد الجلوس وهو ان من ابسط صور الشعور بالمواطنة ان يبادر كل واحد منا إلى ممارسة حقه في انتخاب من يعتقد انه ممثله ومن يعتقد انه مؤهل وقادر على استيعاب رؤانا الوطنية المستقبلية ،وفي هذا الصدد فإنني أتطلع إلى إنجاز قانون انتخابي عصري يتيح للجميع فرصة المنافسة الحرة الشريفة لتمثيل شرائح المجتمع وتوجيهاته الفكرية والسياسية .والإعداد للانتخابات النيابية القادمة مع الحرص على تلافي الثغرات التنظيمية والإجرائية التي حصلت في الانتخابات السابقة .
رابعاً : ان السلطة التشريعية موضع عنايتنا واحترامنا وتقديرنا ، ويجب أن يكون تعاون الحكومة معها على رأس أولوياتها كما نأمل أن يكون التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في جميع المجالات ، وبخاصة إنجاز مشاريع القوانين الاقتصادية والاستثمارية التي تعود بالنفع العام على الوطن والمواطن . وفي هذا المجال ، فإننا ندعو الى عدم الخوف من التغيير ، وأؤكد على أهمية الانفتاح والمواكبة .فالشعوب الحية هي التي تطور سبل حياتها وتوجهاتها ، مستفيدة من تجارب الآخرين ومما يجري في العالم من حولها .
خامسا: أما قضاؤنا الأردني فهو موضع اعتزازنا وحرصنا الدائم على المحافظة على استقلاله ورفع كفاءته وقدرته على الإسراع في إجراءات التقاضي وإقامة العدل بين الناس ، وهذا يستدعي العناية والاهتمام بأوضاع القضاة ، وتمكينهم من مستواهم العلمي ، عن طريق البعثات والدورات ،والاشتراك في الندوات والمؤتمرات المتخصصة ليتمكنوا من التعامل مع المستجدات والتشريعات الاقتصادية الحديثة .
ونؤكد أيضا على ضرورة توفير وسائل الطمأنينة والعيش الكريم لكافة العاملين في هذا الجهاز الهام ، حتى يتمكنوا من القيام بواجباتهم الجليلة على أحسن وجه ضمانا لحقوق الناس وممتلكاتهم وترسيخا للعدالة فالعدل أساس الحكم ، ولا خوف على مجتمع ودولة يتمتعان بقضاء نزيه وقضاة تقاة عدول .
سادسا: أما في مجال التربية والتعليم والثقافة ، فلا بد من العمل الدائم لتحسين أوضاع المعلمين ، ومكافأة المدعين في مختلف المجالات العلمية والفكرية والفنية العمل على رفد الجهاز الهام بالكفاءات والخبرات المتميزة المنفتحة على العالم من خلال استعمال التقنيات الحديثة في التعليم ، وتزويد الطلبة والمدارس بما تحتاجه لتحقيق هذا الهدف ، بحيث يستطيع المعلم والطالب على حد سواء التعامل مع التكنولوجيا الحديثة واستخدامها على احسن وجه . وهذا يتطلب منا الاهتمام بالتعليم العالي والبحث العلمي ، وتحسين مستوى التعليم في جميع هذه المراحل ، ووضع معايير واضحة دقيقة وعلمية للتخصصات الجامعية كافة ، بحيث يصبح خريج أي جامعة أردنية متميزا في عمله وكفاءته وعطاءة . وحتى تتمكن الحكومة من أداء واجبها في هذا المجال ، فإنني أرى إعادة إنشاء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ،لتتولى الإشراف والمراقبة عن كثب على مؤسسات التعليم العالي الرسمية والخاصة ، والعمل على النهوض بمستواها حتى تكون نموذجا للمستوى العلمي الرفيع ، وحتى تكون خططنا وبرامجنا التعليمية مرتبطة بحاجات المجتمع وتطلعاته الى التطور والتغيير .
سابعا : وفي مجال الإعلام ، فإننا نرى أن رسالة الإعلام يجب أن تقوم على مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية واحترام الحقيقة والمصداقية التي تمكنها من المنافسة ، وعلى ذلك فلا بد من رفد أجهزتنا الإعلامية بالكفاءات البشرية اللازمة والأجهزة الحديثة المتطورة ، حتى تتمكن من التعبير الجريء عن روح الوطن ومسيرته الخيرة وإنجازاته الكبيرة ، ولا بد للإعلام الرسمي من أن ينأى بنفسه عن أن يكون إعلاما لشخص أو حكومة ،بل يجب أن يكون إعلام دولة ووطن ، وثوابته معرفة وغاياته نبيلة وسامية . وأما الصحافة فهي المرآة التي يرى الوطن صورته فيها ، ولا بد من إتاحة الحرية لها حتى تتطور وتزدهر في مناخ من حرية الفكر والرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر ، وتكون الرأي العام الداعم والمؤازر لعملية التغيير والتحديث الذي نسعى إليه ،بمنأى عن الغوغائية والإشاعة والإثارة و مجانبة الحقيقة والموضوعية ، والإساءة بقصد أو بغير قصد لصورة الوطن وسمعته ، والتأثير سلبيا على أوضاعه الاقتصادية من خلال ما ينشر في هذه الصحافة من مواد تنقل للعالم من حولنا صورة مشوهه عما هو الواقع عندنا أملا من الحكومة ان تستمر في خصخصة قطاع الصحافة تعزيزا لاستقلاليتها وتأكيدا لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص .
ثامنا : أما اقتصادنا الوطني فيجب أن يتحرر من القيود التي تعيق نموه وازدهاره ، ولا بد من الاعتماد على الذات والاستعانة بالتقنيات الحديثة لتنمية القدرات الاقتصادية الوطنية ، وترشيد استثمار ثروات الوطن وموارده وتقوية قاعدة الإنتاج بجميع عناصرها وتوفير الإدارة المقتدرة ، والعمل على شفافية التشريعات الاقتصادية ، وتكاملها بما يخدم عملية الاستثمار المحلي والخارجي ، وفي هذا المجال فإنني أدعو إلى استمرار التعاون بين القطاعين العام والخاص والذي تجلى في أحسن صورة من خلال ملتقيات وتوصيات المجلس الاقتصادي الاستشاري ، والتي آمل أن تستمر الحكومة في اعتمادها ترسيخا لدور القطاع الخاص في صنع القرار الاقتصادي الوطني في كافة قطاعات الإنتاج ، وإزالة العراقيل التي تقف في طريقه ، وقد آن الأوان ليقوم القطاع الخاص بدورة الكامل في عملية التنمية بعد أن فتحت أمامه أسواق العالم ، وبعد الانضمام ألي منظمة التجارة الدولية ، والشراكة الأوروبية ، واتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة من الشروع بوضع مواصفات علمية للمنتج الوطني بحيث يكون قادرا على المنافسة محليا وخارجيا .
واحترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرات الفردية والنافسة الشريفة ووضع حد للاحتكار غير المشروع وإعادة النظر بالأسس التي يتم بناءا عليها اختيار ممثلي الحكومة في مجالس إدارة الشركات ، بحيث تكون الكفاءة والاختصاص والنزاهة هي الأساس في اختيار هؤلاء الممثلين ، كما أؤكد على أهمية تعزيز دور الحكومة في الرقابة على الشركات من خلال تفعيل دور مديرية مراقبة الشركات في الإشراف والرقابة والمتابعة الحثيثة .
وتشكل الزراعة ركنا أساسيا في اقتصادنا الوطني وفي اعتمادنا على أنفسنا في الأساسيات من وسائل العيش . ولذا لابد من تنشيط المؤسسات الزراعية والعمل على تكامل أدوارها ، وتحديث أساليبها ، وتطوير نوعية البحث والإرشاد الزراعي ، والارتقاء بمستوى التصنيع الزراعي ، وتوفير مستلزمات الإنتاج ،وتحسين وسائل تسويق المنتجات الزراعية ، حتى يتمكن المزارع من أن ينال جزاء كده وتعبه ومعاناته ، ويتعزز ارتباطه بأرضه . وهنا أود أن أشير الى ضرورة التأكد من الجدوى الاقتصادية الوطنية لبعض المحاصيل الزراعية ، وبخاصة تلك المزروعات التي تستنزف من ثروتنا المائية اكثر من مردودها الاقتصادي على الوطن والمواطن .
تاسعا: إن المياه عماد الحياة " وجعلنا من الماء كل شيء حي " ، وهي عنصر ستراتيجي يعتمد عليه مستقبل التنمية في الأردن، مما يستوجب المحافظة على مصادر المياه تنميتها ، وضمان حسن إدارتها ، ورفع كفاية تخزينها ونقلها ،وترشيد استعمالاتها . ولا بد من تنفيذ استراتيجية المياه المقرة ، والتي تستند الى رؤية واضحة وآلية فاعلة ممكنة التطبيق في المدى المنظور والبعيد، مؤكدا على ضرورة ايلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى التي يستحق ، والعمل على إعطاء الأولوية في هذا المجال للتخفيف من معاناة المواطن في بعض المواسم في سعيه للحصول على المياه وتامين احتياجاته منها .
عاشراً : أن الاهتمام بموضوع البيئة والحفاظ عليها واجب وطني ، ينبغي ان يحظى بالاهتمام والرعاية وعلى ذلك فإنني آمل أن تولي حكومتكم الاهتمام اللازم للمحافظة على ما حبانا الله به من طبيعة ومناخ ، وان تراعي العوامل البيئية عند وضع الخطط والمشاريع التنموية ، وان تبادر إلى وضع الإجراءات القانونية والإدارية التي تمكننا من الحفاظ على البيئة تمهيدا لإنشاء وزارة للشؤون البيئية في المستقبل .
حادي عشر : أما السياحة بجميع أشكالها فقد أصبحت صناعة لها مقوماتها المستندة إلى أسس علمية تعلي من شأنها وتزيد من فاعليتها الإيجابية في المجتمع والدولة ولا بد من إيلاء هذا القطاع العناية الفائقة بحيث تصبح السياحة موردا رئيسيا من موارد الدولة.
ولا بد للحكومة من أن تعمل جاهدة من اجل تطوير سبل تسويق السياحة في الخارج ،لتشجيع السياح وجذبهم إلى بلدنا الذي يعتبره علماء التاريخ والآثار متحفا مفتوحا لما تحويه أرضنا من كنوز أثرية ودينية فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني ولا بد أيضا من أن تتخذ الإجراءات السريعة للمحافظة على الأماكن الأثرية وصيانتها وكشف المدفون منها و، إعادة تأهيل بعض المواقع السياحية وتزويدها بالبنية التحتية اللازمة ، والمحافظة على البيئة في تلك المناطق، دون المساس بحقوق المواطنين المحليين في استغلال ممتلكاتهم ، وأراضيهم ضمن شروط عادلة وهنا أود أن أؤكد على أهمية عدم استغلال موضوع السياحة العلاجية من قبل بعض الأفراد أو الجهات وعلى ضرورة وضع آلية لضمان عدم حدوث مثل هذا الاستغلال .
ثاني عشر : وفي مجال الرعاية الاجتماعية ، فإننا نؤكد على أهمية الأسرة باعتبارها اللبنة الأساسية في بنية المجتمع ، كما أؤكد على أهمية الرعاية للأمومة والطفولة ، وحق الأطفال بالحصول على الرعاية الكاملة من الأسرة والدولة ، والاهتمام بالأوضاع الصحية والاجتماعية لطلبة المدارس في المناطق الفقيرة ، والتأكد من تطبيق قانون العمل بما يتعلق بعدم استخدام الأطفال واستغلالهم في سوق العمل، وحماية الأسرة من مختلف أشكال ، العنف كما وأؤكد على أهمية حق المرأة في التعليم والتوجيه والتدريب والعمل ، وتمكينها من أخذ دورها في المجتمع باعتبارها شريكة للرجل في تنمية المجتمع وتطويره.
أما الشباب وهم القطاع الذي يشكل ثلثي عدد السكان ، فلا بد من بذل الرعاية والمساعدة له ، ووضع البرامج والخطط لتأهيلهم وتدريبهم وتمكينهم من تحمل المسؤولية ، وتوجيه قدراتهم الخلاقة نحو البناء والتقدم ، وإيجاد فرص العمل لهم من خلال تنظيم سوق العمالة وضبطه لإيجاد فرص عمل للأردنيين ، أولا ومن خلال التوسع في مجالات التعليم والتدريب المهني ، فالوطن لا يبنى إلا بأبدي وسواعد أبنائه ولا بد أيضا من رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في مجتمعهم واعتبارهم جزءا مشاركا منتجا في المجتمع وليس عالة عليه ، إنه لمن الضرورة بمكان اتخاذ الإجراءات المناسبة لتعميق مفهوم التكافل الاجتماعي وتوسيع مظلة الضمانات الاجتماعية.
ثالث عشر: لقد كان جيشنا العربي ، وسيظل على الدوام ، موضع اعتزازنا وفخرنا ، فهو سياج الوطن ودرعه الحصين ، وهوة ضمان أمن الوطن واستقلاله واستقراره ، وهذا يستدعي تقديم كل أشكال الدعم له ، وتزويده بك ما يحتاج إليه من تدريب وتأهيل وتحثيث ومعدات لتمكينه من أداء رسالته النبيلة في حماية الوطن والإسهام في نهضته التنموية ، والحفاظ على المستوى الرفيع الذي تحلى به عبر العقود الماضية ، بالإضافة إلى مساهمته في حفظ الأمن والسلام في أرجاء مختلفة من العالم .
رابع عشر : وأما أجهزتنا الأمنية ، فهي أيضا موضع اعتزازنا وحرصنا على تطويرها ورعايتها بحيث تكون العين الساهرة على أمن الوطن والمواطن ، وذراع العادلة القوية وإننا في الوقت الذي نقدر فيه جهود هذه الأجهزة ودورها الفعال في الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم فإننا نؤكد في الوقت نفسه على ضرورة احترام المواطن والحفاظ على كرامته ، والتعامل معه من منطلق أن هذه الأجهزة وجدت لخدمة المواطن أولا ، والحفاظ على حياته وممتلكاته وكرامته قبل كل شيء ، وذلك تعزيزا للانتماء الوطني ، وإرساء العلاقة بين المواطن وهذه الأجهزة على أساس من الثقة والتعاون والاحترام المتبادل
خامس عشر: إن الجهاز الإداري للدولة بحاجة ماسة إلى التطوير والتحديث على أسس علمية عصرية ، و إعادة هيكلته بحيث يتناسب مع طموحات الوطن في النمو والازدهار ،ومن هنا فلا بد من لتصدي لكل عوامل الترهل والتسيب والفساد، واستغلال المنصب العام والمحسوبية والواسطة والشللية والمزاجية في اتخاذ القرارات ، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمصالح المواطنين . ولا بد من توفير القيادات الكفؤة النزيهة ، التي تقدم المصلحة العامة على الخاصة ، ومنح الحوافز للمبدعين والمخلصين منهم ، ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو استغلاله لوظيفته بأي شكل من الأشكال. وهنا أود أن أؤكد على أهمية تعزيز صلاحيات الأمناء والمد راء العامين في أجهزة الدولة ، بحيث يتفرغ الأمين العام والطواقم الإدارية لإنجاز معاملات المواطنين وتقديم الخدمة لهم ، بمنأى عن البيروقراطية والروتين التعقيدات الإدارية العديدة .
سادس عشر: أما سياستنا الخارجية ، فهي ترتكز على قاعدة عريضة من الشرعية الدولية ، التي يمثلها احترامنا لميثاق وأحكام الأمم المتحدة ، وخاصة تلك التي تتعلق باحترام سيادة كل دولة وصون استقلالها وسلامتها الإقليمية. و أما علاقاتنا العربية ، فهي ترتكز في المقام الأول على ما نص عليه الدستور من كون المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية ، والشعب الأردني جزءا من الأمة العربية . ومن هنا فإننا نؤكد حرصنا الكامل على أن تكون علاقاتنا الأخوية مع الأشقاء العرب في رأس أولوياتنا وقائمة على الثقة والاحترام المتبادل ، والسعي المشترك لتعزيز التضامن العربي ، وبمؤسسات العمل العربي المشترك .
إن الأردن ملتزم بعملية السلام كخيار استراتيجي أجمعت علية الأمة العربية ، وسيعمل الأردن على دعم الأشقاء العرب على المسارات العربية كافة لاستعادة حقوقهم ، وصولا الى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة ، وذلك طبقا للشرعية الدولية . أما الأشقاء الفلسطينيون فلهم ولسلطتهم الوطنية منا كل الدعم والمساندة في كافة المحافل العربية والدولية،وسوف نبقى سندا وظهيرا لهم حتى يتمكنوا من استرداد حقوقهم وتقرير مصيرهم ،وتأسيس دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس.
أما المسألة العراقية ، فإننا نؤكد حرصنا الدائم على وحدة العراق الشقيق وسيادته على كامل أراضيه . وندعو المجتمع الدولي للقيام بواجبه تجاه العراق برفع الحصار الجائر عن هذا القطر العربي الشقيق ، والجار العزيز علينا ، ووضع حد لمعاناة هذا البلد العريق هذا الشعب الأبي .
أما العمل داخل دوائر وزارة الخارجية فإنني أؤكد على أهمية المؤسسية ،وعلى أن يكون وزير الخارجية الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية وفي إطار المؤسسية ، وفي مجالات السياسة الخارجية .
دولة الأخ الرئيس،
لقد دأبت بعض الفئات ، وهي قليلة والحمد لله عبر سنوات الماضية التسابق في نقد الحكومات في أي قرار تتخذه دون النظر إلى ظروف اتخاذ هذه القرارات ، وعمدت إلى التركيز على أية هفوات وتعضيمها لخلق رأي عام ضد الحكومات ، وقد ساهمت بعض الصحف والصالونات السياسية في توجيه الرأي العام للمطالبة بتغيير الحكومة ، دون إعطاءها فسحة من الوقت للحكم على محمل سياساتها ومدى نجاحها في تطبيق هذه السياسات ، حتى أصبحت المائة يوم من عمر الحكومة هي المعيار لدى هذه الفئة لتقييم أداء هذه الحكومة أو تلك ، و قد أضر هذا بمصلحة الوطن كثيرا ، ونحن نريد أن نؤسس لاستقرار الحكومات والوزارات بحيث يشعر المسؤول الكفؤ أنه باق حتى لو تغيرت الحكومة ليصبح قادرا على الاستفادة من تراكم الخبرة لخدمة وطنه ومواطنيه .
إن المعيار الحقيقي لنجاح الحكومة هو قدرتها على تنفيذ برنامجها والمهام الموكلة إليها عند تكليفها ، ولن يأتي التحقق من ذلك إلا بإعطائها الوقت الكافي لتنفيذ ذلك دون إشغالها بمعارك جانبية ليست في مصلحة الوطن أو المواطن . لقد استمرأت هذه الفئة النخر بالوطن وإنجازاته ، وتعامت عن الإنجازات الكبيرة التي حققها الوطن والتي لا تريد ان تراها ، مستفيدة من مناخ الحرية الصحفية وبدون أدنى شعور بالمسؤولية ، لإظهار الأردن ، الوطن الأغلى ، بصورة سلبية مشوهه، كما استمرأت فئة أخرى كانت مواقع المسؤولية والمشاركة في صنع القرار محاولات الهدم ، فإذا ما خرجت من مواقعها لأي سبب من الأسباب ، أصبح الوطن بنظرها خرابا لا يصلح حاله إلا بعودتها لمواقع المسـؤولية مرة أخرى .
إنني أؤمن أن الحكومة بأجهزتها لا تستطيع العمل والإنتاج إلا إذا ساعدناها جميعا في خلق البيئة المناسبة للعمل والإنتاج والإبداع ،فالمستقبل واعد بحمد الله ، والإصلاح الاقتصادي بدأت نتائجه تظهر بالأرقام ، ومع ذلك فستمضي فترة أخرى يجب العمل على أن تكون أقصر ما يمكن لكي يشعر مواطننا الذي ضرب المثل في الصبر والتحمل بنتائج هذا الإصلاح . لقد شعرت خلال جولاتي المتعددة لحث العالم على الوقوف إلى جانبنا من أجل تحسين المستوى المعيشي للمواطن ، ولا سيما زياراتي الأخيرة للولايات المتحدة والنتائج الطيبة التي تحققت ، إن العالم يؤمن بصواب مسيرتنا الاقتصادية ، ويعلن عن استعداده للوقوف إلى جانبنا ومساعدتنا وهو يرى عزمنا على النهوض ببلدنا وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم .
إن ثقتي بك وبمن سيقع عليهم اختيارك من أبناء هذا الوطن المخلصين ، القادرين على تحمل المسؤولية بشرف وأمانة ، ثقة بلا حدود وستجدون مني كل الدعم والمؤازرة والعون إنشاء الله . وسيكون أمامكم الوقت الكافي لتحقيق هذه الطموحات واستكمال البرامج المشار إليها سائلا المولى عز وجل أن يوفقك وزملاءك ويجعل النجاح حليفكم ، وأن يهدينا جميعا إلى سبيل الهدى والرشاد ، منتظر موافاتي بأسماء زملاءك والوزراء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،
عبد الله الثاني بن الحسين
عمان في 17 ربيع الأول 1421 هـجرية
الموافــق 19 حزيــــران 2000 ميلادية