بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين
"ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً"
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لقد استمعتُ بكُلِ التقديرِ والاحترامِ والاهتمامِ طيلة الأيام الثلاثة الماضية لملاحظات ومقترحات وأراء مجلسكم الكريم حول بيان الحكومة وخطة عملها للمرحلة القادمة0 وقد عكست كلماتكم، ونحن نعيش استحقاقاً دستورياً، رؤىً ناصحة، وتوجهات صادقة، كرست روح المسؤولية المشتركة للسلطتين، وعكست مبدأ التنسيق والتعاون والتشاور الذي يشكل ركيزة أساسية لنجاحنا في إثراء مسيرتنا الديمقراطية وتحقيق المصالح الوطنية العليا0
إنني أعبر لكم عن عظيم التقدير لقراءتكم الناقدة، وتحليلكم العميق، وملاحظاتكم الموضوعية، التي حرصت الحكومة على رصدها وتصنيفها وتحليلها والافادة منها في اغناء محتوى البرامج والمشروعات التي ستعدها لتنفيذ السياسات الواردة في البيان0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب الأفاضل،
إنني أؤكد لمجلسكم الكريم حرص الحكومة على احترام الرؤى والمقترحات والملاحظات والإنتقادات التي عرضها أعضاء مجلسكم الكريم سواءً اتفقنا مع مضامينها أو اختلفنا، باعتبارها حقاً دستورياً ومبدأً أساسياً من مبادئ العلاقة بين السلطتين0 وبهذا الخصوص فإن الحكومة تعد مجلسكم بأن تدرس بجدية وعمق جميع هذه الملاحظات والمقترحات والآراء والانتقادات، وتسترشد بمضامينها في صياغة البرامج والمشاريع التي ستطبقها في تنفيذ سياساتها، ولن تضيق ذرعاً بأي نقد، فالكمال لله وحده0 وإننا نرى أنفسنا تحت هذه القبة فريقاً واحداً يكمل بعضنا بعضاً لتنفيذ رؤى قائد مسيرتنا حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله تعالى ورعاه0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
لقد مثل البيان الحكومي الذي تقدمت به الحكومة لمجلسكم الموقر برنامج عمل فيه ما يمكن تنفيذه خلال المدى القريب وفيه ما يحتاج إلى مدىً أطول، وذلك وفقاً لأولويات يحددها توفر الإمكانات0
كما بُني البيان على مرتكزات ثلاثة :
أولها: استمرارية العمل والبناء على انجاز الحكومات السابقة والمحافظة على المكتسبات الوطنية وتعظيمها0
وثانيها: تقديم رؤيةً واضحة ومنهجٍ إصلاحيٍ يستند إلى مراجعة شاملة للتحديات والموارد والممارسات، سعياً للوصول لمعادلة تمكننا من توظيف امكاناتنا في مواجهة التحديات المرحلية، والتأسيس لمنهج عملٍ للإستجابة الفاعلة لها مستقبلاً0
وثالثها: اعتماد التنمية بمفهومها الشامل مدخلاً وموجهاً وغاية لكافة السياسات والبرامج والمشروعات التي تطرحها الحكومة ترجمة للاستحقاقات الدستورية والرؤى الملكية السامية، والتطلعات التي يحملها شعبنا والطموحات التي نشترك بها جميعاً0
معالي الرئيس،
حضرات النواب الفضلاء،
جاء البيان الوزاري ترجمة لتوجهات وتوجيهات القيادة وإيمان الحكومة بضرورة تعزيز مناخ الحرية، وترسيخ مفهوم التعددية، وتنمية الحياة السياسية والحزبية وتجسيد مبدأ تكافؤ الفرص، وتمكين المواطنين من ممارسة حقهم في المشاركة على جميع المستويات شاملة كل الفئات0 فترى الحكومة بأن البرنامج الزمني المحدد لإعداد مشروعات القوانين الناظمة لمختلف جوانب الحياة السياسية وفي مقدمتها قوانين الأحزاب والبلديات والانتخاب والقوانين ذات العلاقة بمؤسسات المجتمع المدني0 فإن الإطار الزمني محكوم بالوقت المطلوب لإعداد التشريعات ودفعها إلى مجلسكم الكريم لمناقشتها وإقرارها0
وترى الحكومة بأنه يمكن دفع قوانين البلديات والأحزاب ابتداء من هذه الدورة وتباعاً0
وأود أن أشير هنا إلى قانون الانتخاب، فإن الحكومة ستشرع فوراً بإدارة حوار معمق يستكمل ما قامت به اللجنة الملكية للأجندة الوطنية من جهد، ولكن الحكومة ستشمل كل الفعاليات في المجتمع بهدف التوصل إلى توافق وشبه اجماع على المفاصل الأساسية في القانون0
وأؤكد هنا بأنه ليس للحكومة مواقف مسبقة وهي ستأخذ جميع الآراء بعين الاعتبار رافضة في نفس الوقت لاشتراطات أي طرف لصيغة معينة0
إن مجلسكم الموقر هو صاحب الولاية في إقرار أي تشريع سيما هذا القانون الهام في عملية الإصلاح0 وترى الحكومة أن الوقت متاح لدراسة قانون الانتخاب والتحاور حوله وتقديمه إلى مجلسكم الموقر لإقراره تمهيداً لاعتماده في الموعد المقرر لإجراء الانتخابات القادمة على أساسه0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
تدرك الحكومة أن واقع الاعلام الرسمي يحتاج إلى مراجعة تأخذ بعين الاعتبار بناءه المؤسسي ومنتجه الإعلامي، ممـا يقتضي إعادة هيكلته بهدف الوصول إلى إعلام الدولة بمفهومه الواسع، القادر على القيام بدوره التنموي والتثقيفي والإعلامي والرقابي، وذلك بأعلى درجات الحياد والدقة والموضوعية والمهنية، بعيداً عن القوالب التقليدية التي لا تتفق والتوجهات الإصلاحية والمعطيات الحديثة التي يشهدها قطاع الإعلام والمعلوماتيه في عالمنا المعاصر0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب الأجلاء،
إن الأمن ركيزة الحضارة ومطلب أساسي لا تستوي الحياة دون تحقيقه، وعليه فإن الحكومة تنظر إلى الأمن بمفهومه الشامل0 الأمن الذي يلبي الاحتياجات الأساسية للمواطن ويكفل له حرية التعبير والعمل والتعليم ضمن دائرة القانون0 وتؤكد الحكومة أن لا تعارض بين الأمن والحرية وأن توفر الأمن شرطٌ لممارسة الحرية0 وبهذا الخصوص فإن الحكومة ستنفذ إستراتيجية وطنية شاملة لتوطيد الأمن بما لا يمس الحريات لا بل بما يكفل تعزيزها ورفدها0
وفيما يخص القضاء، فإن الحكومة ستتبنى برنامجاً شمولياً لتطوير النظام القضائي بما يلبي إحتياجاته، ومتطلبات المجتمع المتجددة، وسيشمل ذلك إجراءات تكفل سرعة البت في القضايا والحد من الممارسات المعيقة لعمله0
وفي هذا الإطار، ستباشر الحكومة بتطبيق برنامج لبناء قدرات القضاة، واعتماد معايير تحدد عدد القضايا المنظورة لكل قاضٍ، إضافة إلى حوسبة المحاكم وتوفير البنى التحتية اللازمة لتحقيق رسالتها، وسـوف يكون للقضاء دور هام في الإشراف على العملية الانتخابية وفقاً لاحكام القانون0
أما في مجال الإصلاح الإداري، فإن الحكومة ستضع برنامجاً للإصلاح يقوم على معالجة ظاهرتي الترهل والفساد، ويطال هياكل المؤسسات العامة ووظائفها في ضوء الأدوار والتوصيف الوظيفي المسند لها بهدف تحديد مدى الحاجة ضمن معايير الكلفة والعائد0
وإدراكاً من الحكومة بأن العدل أساس الحكم، فستعمل على تبني منظومة معايير متكاملة للترشيح والاختيار والتعيين لجميع مستويات الوظائف، بما يتيح الإفادة من أفضل الكفاءات والخبرات، ويمكن مجتمعنا من تجاوز أثار الواسطة والمحسوبية والشللية والتي تعيق الإصلاح وتهديد السلم المجتمعي الذي نسعى لتجذيره0
وإيماناً بما للثقافة من دور في توحيد أفكار ومشاعر وسلوك منتسبيها، فإن الحكومة ستباشر بإعادة فتح مديريات الثقافة على مستوى الأقاليم خلال النصف الثاني من العام القادم، كما ستصدر التشريع اللازم لإنشاء المجلس الأعلى الوطني للثقافة والفنون، وستولي ثقافتنا الوطنية الأولوية التي تستحق0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
وفي مجال التعليم فإن الحكومة عازمة على تطوير التعليم نحو اقتصاد المعرفة ليشمل مدخلاته، وبيئته، وعناصر العملية التربوية، بما في ذلك حوسبته، وتطوير المناهج وإدخال مفاهيم التربية المدنية، وأساليب التعليم، وتأهيل المعلمين بما يتفق مع قيمنا وتقاليدنا وهويتنا الوطنية0
أما الجامعات بيوت الخبرة، ومراكز الإشعاع، فستدعوها الحكومة إلى مراجعة برامجها وخططها التعليمية لتتناول القضايا والتحديات التي تواجه مجتمعنا المحلي كالأمية، والتنمية الريفية، ونبذ العنف الطلابي وتجذير ثقافة الحوار بين الطلبة، إضافة إلى توفير البيئة الملائمة لتنمية السياحة التعليمية0
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب الكرام،
أما في مجال المياه، ولشح مصادرها، تولي الحكومة موضوع الحصاد المائي جل العناية والاهتمام0 كما وستمضي الحكومة بالبحث عـن مصــادر مائيـة جديـدة، والمحافظة على القائم منها، وتقليل الفاقد0 فيما يخص المياه الجوفية فإن الحكومة حريصة على عدم استنزافها خاصة وأنها تمثل الشريان الاساسي بل الاوحد لمياه الشرب
وتعد الحكومة الآن الوثائق اللازمة لتنفيذ مشروع مياه الديسي ليتم مباشرة تنفيذه مطلع عام 2007 إن شاء الله بكلفة (450) مليون دينار، بهدف تأمين 100 مليون متر مكعب سنوياً
معالي الرئيس،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
وإدراكاً من الحكومة لمشكلتي الفقر والبطالة، واتفاقاً مع ما ذهب إليه الإخوة النواب من مقترحات وملاحظات بهذا الشأن، فإن الحكومة جادة في التوسع بالمشاريع التأهيلية والإنتاجية الهادفة لتغيير سلوك الفرد من متلقٍ إلى منتج، مع الاستمرار في سياسة دعم صناديق العون الاجتماعي0
وقد شكلت الحكومة لجنة تنسيقية للعون الوطني تضمن وصول الدعم لمستحقيه بشفافية وعدل، كما ستستمر الحكومة في بناء المساكن للاسر الفقيرة ولذوي الدخل المحدود، وتوزيعها على المستفيدين وفق معايير وأسس محددة0
للإنصاف خلال العامين الماضين تم توظيف 4186 موظف من مختلف المهن0 وفي مجال التأمين الصحي تم شمول ما مجموعه 541 الف مواطن لمظلة التأمين الصحي المدني بحيث اصبح يغطي 33% من السكان التأمينات الصحية الأخرى 44% من السكان0
وفيما يخص السياسات المالية يأتي الاستقرار المالي والنقدي على رأس الاولويات، وفي هذا الاتجاه، ستستمر الحكومة في ترشيد النفقات العامة وموائمة ذلك مع الإيرادات، إضافة إلى تطوير التشريعات الاقتصادية، وتبني الإجراءات الكفيلة بتحسين المناخ الاستثماري الجاذب بما في ذلك تسهيل الإجراءات، والحد من البيروقراطية، كما ستقوم الحكومة بإعادة هيكلة الانظمة الضريبية ضمن سياسات متوازنة تحد من التهرب الضريبي وتعظم العائد وتحقق العدالة بين المواطنين0
تتفق الحكومة مع الملاحظات التي أوردها السادة النواب حول القطاع الزراعي والحاجة إلى النهوض به، وفي هذا المقام فقد أوضحت الحكومة في بيانها بأنها ستنفذ استراتيجية شاملة تتناول مدخلات وعمليات ونواتج العملية الزراعية بما في ذلك الأراضي والمياه والمواد الأولية للإنتاج والغابات والأسواق والعاملين في الزراعة والإرشاد والتسويق والبحث العلمي الزراعي0 هدفنا تعزيز دخل الأسر والأفراد العاملين في هذا القطاع وصولاً لرفع مساهمته في الناتج القومي وموائمة المنتج الزراعي مع حاجات السوق المحلي والاقليمي وايجاد الاسواق الملائمة به0
معالي الرئيس
الإخوة والأخوات النواب الأفاضل،
إن قضية فلسطين هي قضية الأردن الأولى، التي لم يتردد الأردن والأردنيون منذ بداياتها وحتى اليوم في الدفاع عنها وتقديم التضحيات لنصرتها انطلاقاً من الإيمان بعدالتها ومن الالتزام الوطني والقومي تجاهها0 وعليه فإن تحقيق الطموح الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة وفق مبادئ الشرعية الدولية وعلى التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف يشكل أولوية عليا للاردن0 ويقدم الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني الشقيق ولسلطته الوطنية لتحقيق أهدافه والمحافظة على حقوقه بما في ذلك الحفاظ على حقوق اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية
وفيما يخص الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية، فهؤلاء هم أبناء هذا الوطن ابتداءً، بغض النظر عن الظروف التي أدت إلى اعتقالهم0 والحكومة ستبذل قصارى جهدها لإطلاق سراحهم، علماً بأنه تم إطلاق سراح سبعة عشر منهم خلال هذا العام0
وبالمناسبة فإنني أعرف شخصياً الكثير منهم وخاصة المحكومين أحكاماً عالية، فقد زرتهم في سجونهم، وأنا على تواصل مع أباء وأمهات بعضهم مثل سلطان العجلوني وأمين الصانع0
وإشارة إلى خدمتي القصيرة كرئيس بعثة أردنية في اسرائيل أود أن أقول ما يلي عندما تطلب الأمر قتالاً في حرب عام 1967 لم أتردد في تلبية نداء الوطن، مع ثلة من الابطال الموجودين معكم تحت القبة، مع اختلاف موقع كل منا0
وعندما تطلب الأمر تفاوضاً سلمياً، لبينا نداء الوطن في خوض معركة السلام0
أما العلاقة التاريخية التي تربطنا بالشعب العراقي الشقيق، فإنها تحتم علينا الاستمرار في الوقوف الى جانبه ودعم خياراته السياسية وصولاً الى عراق مستقر آمن يعود عضواً فاعلاً يمارس دوره في محيطه العربي والمجتمع الدولي0
معالي الرئيس،
الأخوات والإخوة النواب المحترمون،
لقد أسهمت مناقشاتكم الجادة والمتواصلة لبيان الحكومة في الإضاءة على الكثير من جوانبه وتعميق معرفتنا بالتحديات التي عايشتموها من خلال تواصلكم الدائم مع قواعدكم الانتخابية0
لقد شعرت وزملائي الوزراء أننا في بيت خبرةٍ سياسيةٍ اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ ثقافيةٍ، فأفدنا من الطروحات التي وردت في كلماتكم التي مثلت ألوان الطيف السياسي الأردني، وعرضت لنا صوراً حية لنماذج الحلول المقترحة للتحديات التي يعيشها مجتمعنا الأردني0
لقد حرصت وزملائي الوزراء على رصد ملاحظاتكم وارائكم ومقترحاتكم فوجدنا اننا وإياكم متفقون على أهمية الإصلاح السياسي كأولوية وطنية غير قابلة للتأجيل أو التسويف، وتتفق الحكومة مع مجلسكم الكريم بأن حرية التعبير حق أساسي ينبغي الاستجابة لمتطلبات تحقيقه تشريعاً وتنظيماً، كما ترى الحكومة بأن إصدار وتعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية على جميع مستوياتها أمراً يحظى بصفتي السرعة والاستعجال0
أما الفساد بأشكاله كافة هو التحدي الذي لن نتهاون في التصدي له أياً كان مصدره أو مرتكبيه، وكما الفساد فإن المحسوبية والشللية والتطاول على المال العام تتطلب منا جميعا أن نتصدى لها بكل شجاعة ومسؤولية واقتدار0 وأعدكم هنا من على هذا المنبر الحر بأننا لن نتردد في التصدي لأي تجاوز مهما كبر أو صغر0
وكل ما أود أن أقوله هنا، بأن هذه الحكومة ستكون قريبة من الفقراء، اقتداء بجلالة الملك نصير الفقراء، وذلك ببساطة لأن هذه الحكومة تعرف الفقراء وتعرف الأردن مدناً وقرى ومخيمات وأرياف وبوادي معرفة ميدانية جيدة0
وختاماً أكرر جزيل شكري لمجلسكم الموقر على ما أثريتم به البيان الوزاري لهذه الحكومة بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن0
داعياً الجميع إلى بذل أقصى المستطاع من الجهد لمزيد من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لترجمة الكلمات إلى إجراءات ووقائع يسعد بها الجميع إن شاء الله تعالى0
حمى الله الأردن وطناً وقيادة وشعباً
"وَقُلِ اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"