بسم الله الرحمن الرحيم
مولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني إبن الحسين حفظه الله ورعاه وأعز ملكه .
يشرفني يا مولاي أن ارفع إلى مقامكم السامي أسمى آيات الولاء والإخلاص على ثقتكم الغالية التي أوليتموني إياها بتشكيل حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها تجسيد رؤيتكم السامية للإصلاح وإكمال المسيرة التي تحقق آمال الأردنيين وطموحاتهم في بناء أردن المستقبل .
إن روح الجندية والالتزام بأداء الواجب وخدمة الأردن التي تعلمناها في مدرسة الهاشميين تفرض على كل أردني أن يكون في أعلى درجات الانضباط في حمل أمانة المسؤولية، وسأكون كما الأردنيين جميعاً وكما أردتمونا دائما يا مولاي جندياً نقدم لوطننا وقيادتنا كل ما نستطيع وفي كل المراحل، فأنتم يا مولاي المدرسة التي نستقي منها معاني الإخلاص والتفاني في خدمة وطننا وشعبنا الأردني الكريم .
إن أهمية أية حكومة ليست في عمرها الزمني بل في المهمات التي تمارسها، وإذا كانت الحكومة الجديدة انتقالية التزاماً بأحكام الدستور إلا أننا نأمل أن تكون حكومة الانجاز الإصلاحي التي تستكمل ما تم في المراحل السابقة، وتجسد رؤية جلالتكم الإصلاحية بما يكفل إجراء الانتخابات النيابية.
مولاي المعظم
إن احترام الدستور والاحتكام إلى نصوصه صمام أمان لعمل أي حكومة، وتوجيهاتكم السامية بالالتزام بمبدأ فصل السلطات نبراس نستهدي به، فالدولة القوية هي دولة القانون والدستور التي تعمل بمنهجية سليمة تحافظ فيها كل سلطة من سلطات الدولة على صلاحياتها وتحترم ادوار السلطات الأخرى، ويكون التنسيق والتجانس والعمل بروح الفريق الواحد المسار والنهج، وليس التغول والاستقواء والتدخل من أي سلطة في شؤون السلطات الأخرى. وستكون حكومتكم يا مولاي كما تريدونها حكومة انجاز تبني على ما تم من الحكومات الأخرى وتستكمل العمل مع المؤسسات الدستورية الأخرى وعلى رأسها السلطة التشريعية لانجاز التشريعات الإصلاحية وفي مقدمتها قوانين الأحزاب والانتخاب والمحكمة الدستورية وأي تشريعات أخرى تتطلبها عملية الإصلاح .
مولاي المعظم
لقد حرص قادة هذا الوطن الأعز من الهاشميين الغر الميامين ، ومنذ فجر الاستقلال ، على احترام الدستور باعتباره القانون الأسمى والأعلى، حتى غدا الأردن دولة قانون بامتياز. وقد بادرتم يا سيدي إلى أكبر وأوسع تعديلات على دستور جدكم المغفور له بإذن الله جلالة الملك طلال بن عبد الله، دستور عام 1952، ليتوائم مع تطورات ومستجدات القرن الحادي والعشرين، فالدستور في خدمة المصلحة العليا للوطن وليس العكس. ولقد كانت هذه التعديلات اللبنة الأساسية باتجاه الإصلاحات السياسية التي تنشدونها جلالتكم والتي ينتظرها الأردنيون كافة . ومنها تنبثق استحقاقات دستورية عديدة تشكل معا منظومة تشريعية متكاملة في نهج الإصلاح السياسي كقوانين الانتخاب والمحكمة الدستورية والأحزاب، ومشاريعها أنجزت وهي الآن بعهدة مجلس النواب الموقر.
ولقد كان قانون الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات أحد الانجازات التشريعية الإصلاحية التي تم تحقيقها. ولأول مرة في مسيرتنا الديمقراطية ستقوم الهيئة المستقلة بإدارة العملية الانتخابية القادمة والإشراف عليها، وهي إحدى الضمانات الحقيقية لنزاهة العمليات الانتخابية القادمة. وسأرفع غداً بإذن الله تعالى لمقام جلالتكم السامي تنسيبات رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي أسماء أعضاء الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات وإدارتها حسبما ورد في قانونها. وستعمل الحكومة على توفير كل الدعم اللازم لتمكينها من أداء عملها على أفضل وجه وباستقلالية كاملة .
ولان قانون الانتخاب هو العمود الفقري للعملية الإصلاحية فستعمل الحكومة بالتعاون مع مجلس الأمة على انجاز قانون يعبر عن توجهات ومطالب كل الأردنيين وقواهم الاجتماعية والسياسية وبما يضمن أوسع تمثيل في مجلس النواب القادم ويخدم جوهر الإصلاح ويبني أسس إنتاج الحكومات البرلمانية.
وتنفيذا لرؤية جلالتكم الإصلاحية وتفعيلا لمبدأ الحكم المحلي فستقوم الحكومة بالعمل الجاد لإجراء الانتخابات البلدية وفق أحكام القانون، وبما يعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار وتقوية مؤسسة البلديات ذات الدور التنموي والخدمي الهام.
مولاي المعظم
لقد نهج هذا البلد بقيادتكم الحكيمة ورعايتكم لكل مكونات الشعب الأردني العزيز وأطيافه السياسية واتجاهاته المتنوعة التواصل والانفتاح واحترام الرأي والرأي الآخر بما يعزز اللحمة الوطنية ويثري الحوار المعمق في آمال الوطن وهمومه. وستتوجه الحكومة إلى الأردنيين بشتى مواقعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التواصل والعمل الميداني من أجل الوصول إلى اكبر قدر ممكن من التوافق الوطني على المحاور والمفاصل والتحديات أمامنا، من مفهوم أن الديمقراطية الحقه هي رأي الأغلبية ولا احتكار للحقيقة لأحد. وقد سجل الأردنيون نموذجاً ايجابيا في التعبير السلمي وكان حراكهم حضارياً ملتزما بالمصالح الوطنية، و ستستمر الحكومة في أداء واجبها في حماية حق التعبير وتعزيز الممارسة الأردنية الحضارية التي كانت سمة تعامل المواطن والحكومات على حد سواء.
إن الإعلام من أهم أدوات إدارة كل القضايا والملفات، وهو صوت الناس وصوت الدولة. وقد كان الإعلام دائما محل اهتمام جلالتكم وقدمتم رؤية كريمة وكنتم العون والسند لحرية الإعلام المهني الموضوعي، ووقفتم وراء تطوير الإعلام ودعم دوره في الرقابة والكشف عن مواطن الخلل. كما دعوتم يا مولاي دائماً إلى تنقية الإعلام من الإثارة السلبية وأي ممارسة مهما كانت محدودة تسيء إلى صورة الوطن وانجازات أبناءه واغتيال شخصياتهم. وستعمل حكومتكم يا مولاي على الاستفادة من كل الاستراتيجيات والجهد الذي تم في مراحل سابقة لتطوير الإعلام بالتعاون مع الجسم الإعلامي ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، مقدرين لإعلامنا الأردني انجازاته وحضوره المهني ودوره الوطني .
مولاي المعظم
إن محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين جزء من عملية الإصلاح الشاملة، وستعمل الحكومة على استكمال المسيرة وتقديم من يثبت بحقه أي تطاول على القانون والمال العام إلى القضاء. كذلك ستعمل الحكومة على تقديم كل العون والدعم لمؤسسات النزاهة ومحاربة الفساد والرقابة لان المحاربة الوقائية للفساد وردع أصحاب النفوس الضعيفة مرحلة هامة في الحرب على الفساد .
مولاي المعظم
لقد تأثرت المملكة بجملة من التحديات الاقتصادية الخارجية والداخلية ، تتلخص بتأثر اقتصادنا بالأزمة المالية العالمية عام 2008 وما تبعها من تداعيات على اقتصادات العالم، كما أدت هذه الأزمة إلى خلل واضح على موارد الدولة من ناحية، وعلى مسار تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية من ناحية أخرى .
وستتبنى الحكومة سياسات وبرامج إصلاح اقتصادية وتنموية من اجل زيادة النشاط الاقتصادي ومعالجة الاختناقات الاقتصادية والمالية التي تواجهها المالية العامة للدولة مما يساعد على تعزيز ثقة المؤسسات المالية العربية والدولية الأخرى بالاقتصاد الأردني، كما يساهم في جذب الاستثمارات الخارجية والداخلية لتأمين فرص العمل اللازمة للتخفيض من متلازمتي الفقر والبطالة ويحقق مستوى معيشة لائق لأبناء وبنات الأردن. وفي هذا المجال لا بد من إعادة النظر في أساليب تأهيل العمالة الأردنية بالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص. ولا بد هنا من استكمال انجاز مشروع قانون تشجيع الاستثمار.
مولاي المعظم
وفيما تعانيه المالية العامة للدولة من تفاقم في عجز الموازنة وارتفاع حجم المديونية فان الحكومة سوف تتخذ الإجراءات الضرورية واللازمة لترشيد الإنفاق الحكومي وضبطه والعمل على تعزيز الإيرادات المحلية، ولابد هنا أيضًا من العمل على إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل وتطبيق القاعدة الدستورية القاضية بالضريبة التصاعدية. كما انه لا بد من ضبط إيقاع حجم المديونية الداخلية والخارجية والعمل على عدم الوصول بها إلى الخطوط الحمراء. وهنا لابد من الأخذ بالاعتبار وضع سياسة محددة لتقديم الدعم إلى مستحقيه وهذا لا يعني فقط خفض الهدر وضبط النفقات بل أيضاً إلى استمرار تقديمه إلى من يستحق من المواطنين حاضرا ومستقبلا، مثلما ستقوم الحكومة بتعزيز دور المؤسستين الاستهلاكيتين العسكرية والمدنية بما يضمن حماية الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
وستولي الحكومة اهتماما خاصا ومتابعة مكثفة مع مجلس الأمة لإقرار قانون الضمان الاجتماعي المؤقت بما يؤدي إلى استقرار وتنمية أموال الضمان وتحقيق مصلحة المشتركين الحاليين والأجيال القادمة.
وبالنسبة لحصر نسبة التضخم ضمن النسبة المئوية التي لا تثقل كاهل المواطن فان السياسة التي سوف تتبعها الحكومة ستبقي هذه النسبة ضمن الحدود المعقولة وفي هذا الخصوص ستدفع حكومة جلالتكم بمشروع قانون حماية المستهلك إلى مجلس الأمة .
وأؤكد أن الحكومة سوف تولي اهتماماً خاصاً بالمحافظات عن طريق صندوق تنمية المحافظات مما يساهم في توزيع عوائد التنمية دون التركيز على أماكن محددة لغايات تنمية عادلة تعم جميع محافظات المملكة لا سيما المحافظات التي تحتاج عناية خاصة. وسيتم وضع الأطر القانونية والتنظيمية لتحقيق هذه الغاية .
إن الحكومة تدرك تماماً أن محدودية الموارد الطبيعية تشكل سمة عامة في الاقتصاد الأردني وان التحدي الأكبر أمامنا هو توفير الطاقة بشكل آمن وبتكلفة معتدلة. وستعمل الحكومة على دفع مشاريع الطاقة بأشكالها المختلفة خاصة التي تتوفر مقوماتها على ارض الوطن بكل قوة وتصميم لأنها هي المعضلة الكبرى التي تؤثر على اقتصادنا.
وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادي للأجندة الوطنية، فان الحكومة ستقوم بمراجعة المبادىء الأساسية والأهداف المرجوة التي جاءت بها الأجندة والتي تشكل مرجعية عامة للحكومات المتعاقبة.
مولاي المعظم
إن القوات المسلحة الباسلة وأجهزتنا الأمنية هي سياج الوطن ودرعه المنيع وقرة عين قائدها الأعلى، وتستحق منا دائما كل التقدير والدعم وبكل الوسائل والإمكانات، فهي جزء أساسي من هوية الدولة وهي بتاريخها وسجل تضحياتها وحاضرها رمز العزّة والفخار والأمان والاستقرار .
أما القضية المركزية فتبقى القضية الفلسطينية التي سنستمر في بذل كل ما نستطيع من جهد حسب توجيهاتكم الكريمة من اجل إحقاق الحق وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعلى التراب الوطني الفلسطيني وبحيث تكون هذه الدولة متواصلة جغرافياً وعلى أساس خط الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، مما يشكل مصلحة أردنية عليا. ولا شك أن الجهد الذي بذلته الدبلوماسية الأردنية بقيادتكم في بداية هذا العام قد خلق الأجواء المهيئة لانطلاق مفاوضات جادة ومباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من شانها عند استئنافها أن تؤمن الوصول إلى هذا الهدف المنشود وفي إطار حل الصراع العربي الإسرائيلي بكل جوانبه وعودة كافة الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها. أما القدس التي تسكن في قلوبنا فرعايتكم الهاشمية التاريخية لمقدساتها الإسلامية والمسيحية هي موضع تقدير المسلمين والمسيحيين في كل مكان .
مولاي المعظم
أما الربيع العربي الذي عشنا جميعاً تفاصيله ومنعطفاته منذ بداية العام الماضي وحتى اليوم، فانه هب إما كرياح عاصفة فرضت التغيير، أو نسمات أمنة نابعة من رغبة حقيقية في الإصلاح والتطوير والتحديث تفرضها إرادة سياسية متبصرة تستشرف المستقبل وآفاقه، وتتواصل مع شعبها لتلبي طموحاتهم وحقهم في المشاركة في الحياة السياسية وعملية صنع مستقبلهم. وهذا ما حبانا الله به هنا في أردننا الغالي، قيادة هاشمية مبادرة، تقود الإصلاح وتكشف مواقع الخلل وتوجه بتصحيحها ومعالجتها. فالحمد الله على نعمة الأمن والأمان والاستقرار بفضل الله سبحانه وتعالى اولاً وحكمتكم وثقتكم بشعبكم والتفافه حول قيادتكم، أسرة كبيرة واحدة متماسكة متعاضده .
أما من حيث علاقات الأردن بمحيطه العربي والعالم بأسره فالأردن امتداد لامته العربية والإسلامية وجزء لا يتجزأ منها. وها نحن نلمس يومياً مدى احترام العالم لشخصكم الكريم وللأردن من خلالكم. وقد تشرفت بمرافقة جلالتكم في بعض زياراتكم العربية والدولية وشاهدت هذا الاحترام الكبير والتقدير العالي، ورأيت اهتمام العالم بآرائكم ومواقفكم واستجابته لمبادراتكم. فصورة الأردّن والأردنيين المشرقة في العالم تشكل كنزاً ثميناً واجبنا أن نحافظ عليه ونحميه ونبني عليه ما استطعنا.
مولاي المعظم
إنني إذ أتشرف بتكليفكم لي برئاسة حكومتكم في هذه المرحلة الدقيقة، وإذ أرفع إلى مقامكم السامي تنسيبي بأعضاء الفريق الوزاري، لأعاهد وزملائي، الله سبحانه وتعالى، وأعاهد جلالتكم، أن نبدأ بتنفيذ توجيهاتكم السامية فوراً، وأن نسير معكم وخلفكم جنوداً أوفياء مخلصين للعرش المفدى وللشعب الأردني الأبي، الذي يستحق منا أن نبذل كل ما في وسعنا من جهد وعمل وتفانٍ لتحقيق طموحاته وتجسيد رؤية جلالتكم المتقدمة في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وصولاً بوطننا الحبيب إلى المزيد من الازدهار والتقدم.
حفظكم الله، ورعاكم، وسدد على طريق الخير خطاكم،
مولاي المعظم
خادمكم المخلص الأمين
د. فايز الطراونه