بسم الله الرحمن الرحيم
مولاي صاحب الجلالة الهاشمية
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يشرفني يا مولاي، أن أتقدم من مقامكم السامي، بعظيم الولاء وصادق الوفاء، وأن أرفع إلى الأعتاب الملكية السامية الكريمة، أسمى آيات التهنئة، بانتخاب المجلس النيابي الرابع عشر في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية، المتزامن عمرها مع عمر الدولة، المجلس النيابي الأول في عهدكم الزاهر الميمون بإذن الله، وقد أردتموه جلالتكم المجلس المعبر عن مكنون الإرادة الشعبية الحرة لأسرتكم الأردنية الواحدة، والمجّسد لطموحاتها وآمالها في الامتثال لقوله جلّت قدرته "وشاورهم في الأمر" و "وأمرهم شورى بينهم" صدق الله العظيم .
مولاي صاحب الجلالة الهاشمية، رعاك الله،
لقد تشرفت بنيل ثقة جلالتكم السامية، في حقبة دقيقة من تاريخ المنطقة، وهي ثقة هاشمية عزيزة منحتني فرصاً ثمينة رائعة، لأن أتزود بتوجيهات جلالتكم السديدة، وأن أتحمل أمانة المسؤولية مع زملائي الوزراء في تنفيذ كتاب التكليف السامي، بكل ما انطوى عليه من حكمة ونظرة شمولية للحاضر واستشراف ثاقب للمستقبل على حدٍ سواء، واستيعاب عميق لطبيعة التطورات والتحولات التي شهدها العالم ويشهدها من حولنا، وفي سائر الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية .
وقد كانت توجيهات جلالتكم ورؤاكم الصائبة، النابعة من فكر عميق يحيط بالواقع ويعيد صياغته لخدمة الغايات النبيلة والأهداف الطموحة المشروعة، مصدر العزيمة للحكومة، في سعيها للارتقاء بالمنهج الوطني الأردني في التعامل مع هذا الواقع، بوعي واقتدار، وعلى نحو يوفر وبرغم كل التحديات والمعيقات، البُنى الاستراتيجية الراسخة لنهضة وطنية شاملة، نهضة تستند إلى ركائز العلم والمعرفة وإطلاق المواهب والطاقات، في مناخات واسعة من الحرية المسؤولة وقيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص .
واستلهاماً لهذا المدد الهاشمي المبارك الأصيل، سعت الحكومة لتعزيز مسيرة الخير والبناء بنهج اتسم وفي سائر فصوله، بانطلاقة نوعية جديدة أردتموها جلالتكم، أنموذجاً يحتذى في الإصلاح، ومثالاً رائعاً في المؤسسية وسيادة القانون، وحالة متميزة في إرساء دعائم المشاركة الشعبية الواسعة في العمل والعطاء والإنجاز .
مولاي صاحب الجلالة، الملك المعظم،
لقد بذلت الحكومة كل جهد ممكن للوفاء بما تضمنه كتاب التكليف السامي، واتخذت من القرارات والإجراءات والمبادرات، وسنت من التشريعات والتعليمات، ما رأته ضرورة لخدمة المصالح العليا للوطن، ومصالح إنسانه المعطاء وأمته الواحدة، مستندة في ذلك كله، إلى احترام كامل للدستور نصاً وروحاً، ملتزمة بما حدد "الدستور" لها من صلاحيات، مستذكرة على الدوام، عظمة "القسم" الذي أدت بين يدي جلالتكم .
سيدي حضرة صاحب الجلالة حفظه الله
لقد عملت الحكومة وبتوجيه ودعم من جلالتكم على تعزيز علاقات الأردن سياسياً واقتصادياً مع الأقطار الشقيقة كافة، وها هي علاقات الأردن العربية اليوم، تأخذ مداها الأوسع في التعاون الأخوي والاحترام المتبادل، ونهضت الحكومة بواجبها المشرف في دعم ومساندة الأشقاء في فلسطين، بالتعاون والتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الفلسطينية الجديدة، وقدم الأردن وما زال، كل عون أخوي ملموس وممكن، للأشقاء في فلسطين، إسهاماً منه في تمكينهم من مواجهة الظروف الصعبة التي يرزحون تحتها .
أما بالنسبة للعراق الشقيق، فقد كان الموقف الأردني الموقف الأكثر تميزاً إلى جانبه، وقد بذلت الحكومة جهوداً مضنية استكمالاً لجهود جلالتكم المتميزة بتوجيه مباشر من جلالتكم، للحيلولة دون وقوع الحرب، واعتماد مبدأ الحوار السلمي سبيلاً لحل الأزمة، كما أكدت حكومة جلالتكم رفضها القاطع لاستخدام القوة سبيلاً لحل النزاعات، وسعت بإخلاص من أجل رفع الحصار عن كاهل الشعب العراقي الشقيق . وعندما اندلعت الحرب اتخذت من الإجراءات ما يصون الوطن ومصالحه العليا، وتمكن الأردن بفضل الله، ثم بحكمة جلالتكم، من اجتياز الأزمة بأقل الخسائر والأضرار .
وعلى صعيد علاقات الأردن بأصدقائه في هذا العالم، وعلى المستويين السياسي والاقتصادي، فهي تجتاز اليوم أفضل مراحلها، استناداً إلى أسس التعاون الإيجابي ومبادئ التكافؤ والاحترام المتبادل . وكان لخطاب جلالتكم السياسي والحضاري الراقي الفضل الأكبر في تعزيز وتدعيم أسس وأركان هذه العلاقات .
أما على المستوى الوطني الداخلي، وتنفيذاً لتوجيهات جلالتكم السديدة، فقد عملت الحكومة على ترسيخ مبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون، وسنت العديد من التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وحرصت على صون الحريات العامة، واتاحت فرصاً واسعة للتعبير عن الرأي والرأي الآخر، وكان الأردن وما زال، السباق في إقليمه من حيث تعداد مظاهر التعبير عن الرأي، خلال أعوام ثلاثة مضت، كما فتحت الحكومة أبواب الحوار الهادف مع سائر الفعاليات الحزبية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني، وظلت الوحدة الوطنية، حالة قداسة بالنسبة لها، وحالت دون المساس بها . وسعت الحكومة لضمان احترام حقوق الإنسان في سائر مجالاتها، وأنشأت المركز الوطني لحقوق الإنسان لتحقيق هذا الهدف .
وانطلاقاً من حرص الحكومة على تحقيق توجيهات جلالتكم السامية فقد عملت على دعم الجيش العربي، القوات المسلحة الأردنية الباسلة، وسائر الأجهزة الساهرة على أمن الوطن والمواطن، وحماية منجزاته ومكتسباته، تسليحاً وإعداداً وتدريباً .
ولم تدخر الحكومة جهداً في إعداد وتنفيذ برامج التنمية الشاملة، اقتصادياً واجتماعياً، فقد تحقق بحمد الله الكثير في هذا المجال، حيث نما اقتصادنا الوطني بنسبة تزيد على 9ر4% نهاية عام 2002، ونمت الصادرات الوطنية بنسبة أكبر من 40% خلال الثلاث سنوات الماضية، كما تراجع رصيد الدين العام الخارجي، وتمت إعادة جدولة ديونه الخارجية بنسبة 17% من مجموع الدين، والمحافظة على عجز الموازنة في أدنى حدوده، وتأمين الاستقرار المالي والنقدي، وتحرير التجارة الخارجية، وتعزيز البيئة الاستثمارية، وعقد العديد من الاتفاقيات مع الدول العربية الشقيقة ومع العديد من مراكز النفوذ الاقتصادي في هذا العالم . وقد غدا الأردن بكل هذه الإجراءات مثالاً يشار إليه في المنطقة في مجال الإصلاح الإقتصادي .
كما أولت الحكومة عناية خاصة لتحسين الخدمات الصحية للمواطنين كماً ونوعاً ونفذت العديد من مشروعات التجمعات الريفية، ومراكز تعزيز الإنتاجية والمنح الإنتاجية، إلى جانب مشروعات زراعية وسياحية وأخرى في مناطق البلديات والمحافظات، كما وضعت الحكومة برامج عدة لمحاربة الفقر والبطالة من أهمها برنامج التدريب والتأهيل الذي يهدف إلى توفير فرص عمل للأردنيات والأردنيين على نطاق واسع .
وعكفت الحكومة على تنفيذ استراتيجية زراعية تهدف إلى الحد من المشاكل التي يعاني منها المزارعون سواء في الانتاج او التسويق، وعملت كذلك على اصلاح أوضاع البلديات وتطوير القضاء والحوسبة في مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات .
أما القوانين المؤقتة، فقد جاءت ضمن المساق الدستوري الكامل، ومن البديهي أن سن تلك القوانين، لم يأت متسرعاً، وإنما لأهداف وطنية كبيرة، لضرورات اقتضتها المصلحة الوطنية، لعل من أهمها، دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية قُدماً، من خلال تطوير القوانين لمواكبة التطورات، وهي في جُلها قوانين اقتصادية اجتماعية وخدماتية وقضائية، وأخرى لتشجيع الاستثمار واستقطاب المستثمرين .
وعلى صعيد إعلام الدولة الذي تؤمنون جلالتكم بضرورة أن يكون إعلاماً متطوراً يتمتع بالأهلية والمهنية والاحتراف، ليكون إعلام وطن، فقد تم تأسيس المجلس الأعلى للإعلام بإرادة ملكية سامية، والعمل جارٍ على استكمال إنجاز التشريعات اللازمة لتفعيل دور المجلس، ولقد وفرت الحكومة كل ما يلزم، لتأكيد الانفتاح الإعلامي في إطار من الشفافية والحوار الموضوعي الهادف، وتشجيع الرأي والرأي الآخر، عبر الندوات والحوارات المتلفزة، ومن خلال وسائل الإعلام كافة، كما ضمنت الحكومة للصحافة حريتها، وأصبح الأردن بذلك، السباق في إقليمه في توفير أفضل مناخات الحرية الصحفية .
وتأكيداً على حتمية أن يكون الوطن أولاً في عالم يموج بالمخاطر والتحديات، فقد انسجمت الحكومة مع الشعار الوطني القومي الذي أطلقتم جلالتكم، وأخذت بتوصيات "هيئة الأردن أولاً" وشكلت لجاناً عُهد إليها بدراسة إنشاء المحكمة الدستورية، والكوتا النسائية في مجلس النواب، وقانون الأحزاب، وواقع النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وسبل محاربة الفساد والمحسوبية، ولقد أخذت الحكومة بتوصيات تلك اللجان، وأوعزت للوزارات ذات العلاقة، لإعداد تشريعات تهدف الى تطوير العمل الحزبي والنقابي والجمعيات الخيرية والتصدي لآفة الفساد والمحسوبية .
مولاي حضرة صاحب الجلالة الهاشمية، أيدكم الله بتوفيقه
وإذا كانت الظروف قد حالت دون إجراء الانتخابات النيابية بعد حل مجلس النواب السابق في حينها، فقد تمكنت حكومة جلالتكم بفضل من الله، ثم بتوجيه من لدن جلالتكم، من إجراء الانتخابات النيابية في أول فرصة مواتية لذلك، وبذلت من أجل هذا الهدف الوطني الكبير، جهوداً كبيرة في الإعداد والاستعداد، وحرصت على تنفيذ توجيه جلالتكم السامي، بأن تكون الانتخابات غاية في الدقة والانضباط والنزاهة والشفافية، وها هو وطنكم العزيز بكم، يزهو اليوم بهذا الإنجاز الديمقراطي الكبير الذي شهد به وله العالم من حولنا .
وحيث يقف الأردن الفخور بقيادتكم الملهمة اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، فإنني وبكل الاعتزاز والفخر بشرف خدمتكم الهاشمية وغاية الرضى وراحة الضمير، أستأذن جلالة مولاي، في أن أضع بين يدي جلالتكم، استقالة الحكومة، لإفساح المجال أمام تشكيل حكومة جديدة، تواصل مسيرة العطاء والإنجاز خدمة للعرش الهاشمي المفدى، ورسالة آل هاشم الأخيار، وأنتم جلالتكم فيهم الرمز والرائد والعنوان، وما كانت يوماً إلا رسالة المجد والتفاني في خدمة الوطن والأمة والحياة والانسان .
وأسأل المولى عز وجلّ أن يمدّ في عمركم، وأن يوفقكم ، ويأخذ بيدكم لما فيه الخير والسداد، وستبقى رايات الأردن خفاقة في الذرى، بعون الله ما دمتم جلالتكم فينا الأمل والقدوة والقائد.
"وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
خادمكم الأمين
المهندس علي ابو الراغب
عمان، في 19 جمادى الأولى 1424هجرية
الموافق 20 تموز 2003 ميلاديــــــــة