توصيات لجنة النقابات المهنية المنبثقة عن هيئة الاردن اولاً
مقدمة :-
انبثقت النقابات المهنية في مرحلة مبكرة من عمر المملكة باعتبارها احدى تجليات المجتمع المدني وتطلعاته نحو زمن تضيئه الحرية والديمقراطية والعدالة . وقد شكلت النخبة القليلة المتعلمة والمؤهلة طليعة هذه المؤسسات في سياق البحث الوطني العام عن موقع يليق بالدولة الاردنية . وقد احالت لها الدولة بموجب التشريعات جزءا من الصلاحيات العامة في الترخيص والتنظيم والتنظيم والاشراف والمحاسبة . مما جعل هذه النقابات تسعى الى حضور مهم تسند من خلاله مؤسسات الدولة والمجتمع ومنحها فرصا للتمرس والحوار والديمقراطية نتج عنه فيض عميم من قيادات العمل الشعبي النقابي في الاردن .
كان للنمو الواسع في التعليم اثر ايجابي على النقابات اذ توسعت من حيث اعداد المنتسبين والامكانات المادية ، ورافق ذلك تاسيس مجمعها المشهور الذي صار ملتقى للحوار الوطني والمهني والعلمي والاجتماعي .
ومنذ زمن التشكيل الاول ، حضرت النقابات الاردنية في الاتحادات المهنية العربية نشاطا ومشاركة وصورة للانجاز الاردني يرى فيها مؤسسات مدنية مستقلة تقوم على التنوع والتعدد ، مما اكسبها تمييزا واحتراماً ودفع لبعض قادتها الى مواقع المسؤولة الاولى في الاتحادات العربية في زمن كانت فيه الحركة النقابية العربية تتحول الى ادوات للسلطات الحاكمة في اغلب الاقطار العربية .
لم يكن غريبا او خارجا عن المالوف ان تتصدى النقابات للشؤون الوطنية والقومية ، فالنخبة التي تشكلها هي صاحبة الوعي الاعلى بالحرية وبالخطرالذي تواجهه الامة ، ولم يكن من غير المتوقع ان تعزز نشاطها هذا في الفترة التي فرض فيها على نشاط الاحزاب حظر بل وعلى النشاط السياسي العام ، وقد تصدرت الدعوة للديمقراطية قبل احداث نيسان 89 وبعده ، وجعلت من الاحتجاجات على هذا الدور الذي تصدت له حجة اضافية للمطالبة بالديمقراطية حتى تتمكن الاحزاب من استعادة هذا الدور الذي عوضته النقابات المهنية .
ولم تكن هذه المشكلة الوحيدة ، ففي مقابل التنامي الهائل لاعداد المهنيين والتغيرات العميقة الاقتصادية والاجتماعية كانت وتيرة التجاوب والتكيف مع هذه التغييرات بطيئة وافتقدت النقابات للديناميكية الضرورية في مراجعة التشريعات وآليات العمل ، ناهيك عن البطء الشديد للجهاز الحكومي والتشريعي في اخراج التعديلات التي تعدها النقابات الى النور . وقد تفاقمت مشاكل القطاعات المهنية ، واصبحت القاعدة المهنية اقل التصاقا بمؤسساتها واقل ثقة بقدراتها ودورها حتى ان بعض المهنيين لم يعد ينظر للنقابات الا باعتبارها مركز جباية مالية فائض عن الحاجة .
ان التغيير هو سنة الحياة ، ومنذ سنوات ظل تطوير النقابات واصلاحها قضية مطروحة للنقاش ترد في برامج وشعارات المرشحين لانتخاباتها ، غير ان آليات العمل والانقسامات واختلاف الاجندات لم توفر فرصة نزيهة لعمل مشترك دؤوب في هذا المجال . وبدلا من ذلك تفاقمت الانقسامات والمشاكل على خلفيات سياسية داخل النقابات وبينها الحكومات المتعاقبة التي باتت تضيق ذرعا بتصدر النقابات لدور المعارضة السياسية. ولم تتحقق النبوءة التي افترضت بان العودة الشرعية للاحزاب ستعيد توزيع الادوار بصورة صحيحة ، ذلك ان الكثير من الفعاليات وجدت في بنية النقابات ونشاطاتها بديلا للمنابر الحزبية ، يضاف الى ذلك الدعم الذي توفره النقابات للمواقف والانحيازات الحزبية خصوصا في ظل التحولات السياسية الاقليمية العميقة ومعاهدة السلام . وهو ما زاد في تعكير الاجوزاء بين النقابات والحكومات وداخل النقابات نفسها .
ان التكليف الذي انيط بهذه اللجنة ياتي لحسن الحظ بالتزامن مع تكليف لنخبة من ذوي الكفاءة لبحث موضوع الحياة الحزبية وتكليفات اخرى تحت شعار الاردن اولا كعنوان للنهوض الوطني وللتنمية السياسية ، مما يوفر فرصة موضوعية لتكامل التوجهات حين يتزامن التقدم في دور الاحزاب مع التحول عن الدور السياسي المباشر للنقابات وفقا لما كان متوقعا منذ عودة الحياة الديمقراطية .
ونعتقد ان مثل هذا التحول سيكون لصالح دور اكثر اهمية واتساعاً للنقابات تحت عنوان الشراكة في التنمية . فقد بات معلوما ان مؤسسات المجتمع المدني مرشحة لادوار فاعلة بعد تراجع دور الدولة والقطاع العام، وتركز الهيئات الدولية على هذا المفهوم وتدخله في خططها وبرامجها في التعامل مع الدول ، واذ تتحدث الحكومات والنقابات ايضا بهذا المفهوم فق حان الوقت لخطوات عملية وفعالة نحو هذا الاتجاه تبدا باصلاح هيكلي لبنية النقابات يعزز المشاركة عبر القوانين والانظمة وآليات العمل .
ان هذه اللجنة لا تدعي ان تقريرها هذا يقدم حلا نهائيا او مقترحات شاملة لاسئلة العمل النقابي فتلك مهمة تخص قطاعات ومستويات كثيرة ومعقدة ، وقد بحثت اللجنة في مفاصل رئيسية معروفة ومشتركة وهي تدرك ان الافكار حولها مطروقة ومتداولة في الوسط النقابي والمهني وعملت على بلورتها في مقترحات تعتقد انها تحقق اصلاحا ديمقراطياً موضوعياً لمصلحة النقابات ومنتسبيها جمعياً .
وبالاضافة الى المقترحات التي ترد لاحقا نثبت هنا بعض التوجهات التي تشكل مؤشرات ينبغي ترجمتها الى خطط واجراءات .
علاقة النقابات بالحكومة والمجتمع :
- الاصل ان تقوم علاقة النقابات مع الحكومات على الحوار والتعاون ، والنقابات ليست معنية باثارة خلاف حول مواقف سياسية ، فكل منها يتفق او يختلف مع الحكومات حول الشؤون المهنية ومصالح القطاعات الاجتماعية والسياسات المتصلة بها .
- تشارك النقابات المجتمع في همومه العامة والوطنية ، ويجب ان تستند في اية مبادرات الى التوافق العام . ويبقى الدور التنموي هو الاساس حيث تمثل النقابات قطاعات واسعة وبيوت خبرة توظف في مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والادارية . الا ان الاضطلاع بهذا الدور يستوجب اهتماما حكوميا ونقابيا جديا وتفاهما وتعاونا فاعلين بين الطرفين ومع المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى .
- تحويل مفهوم الشراكة في التنمية الى اجراءات ملموسة ، على سبيل المثال مشاركة النقابات في اللجان والهيئات التي تبحث التطوير في قطاعات مختلفة .
- ان تضطلع النقابات بدور كبير في تنمية المجتمع المحلي ، ويتطلب ذلك مشاركة ممثليها في مجالس التنمية الخاصة بالمجتمع المحلي .
- هناك اشكالات كثيرة تتعلق بالمهن المختلفة ، لكن آليات التواصل والتعاون ضعيفة وبطيئة ، واعجز التشريعات السارية وكذلك الانظمة والتعليمات عن مواجهتها . وفي ظل التطورات المتسارعة تظهر الحاجة الى اليات اكثر فعالية وكفاءة لمعالجتها . وقد توقفت اللجنة امام نماذج منها ، وعلى سبيل المثال فان القطاع الاستشاري الهندسي (المكاتب الهندسية ) يحتاج الى مراجعة انظمته لسد الثغرات ولمواكبة التغيرات الكبيرة الكمية والنوعية في ظل التنافسية والعولمة وفرص التصدير ونستذكر هنا مشاكل مشهودة مثل معادلة الشهادات والاختصاص ، وانظمة فتح الصيدليات ز والفصل بين العمل المهني والاكاديمي واهمية الربط بينهما للاستفادة من الخبرات الاكاديمية في الميدان العملي ومشكلاته الواقعية .....الخ .
علاقة النقابات ببعضها :
- تقوم العلاقات بين النقابات على التكافؤ والتكافل . واحترام المصالح المشتركة والمتداخلة وخصوصا في بعض القطاعات اذ يلزم تفعيل هيئات مشتركة لحل الاختلاف بينها . وهناك ميادين تعاون واسعة اذ يمكن للنقابات الكبرى ان تشرك النقابات الاصغر في بعض الصناديق وفي مشاريع اسكانية او استهلاكية او صحية ..... الخ ويمكن اقامة تعاونيات كبرى مثل ( شركة للتامين الصحي ) وغيرها من المشاريع التنموية والخدمية لجمهور المهنيين والمجتمع .
- تنشأ لجان تنسيقية لهذه الاغراض وغيرها بين النقابات وخصوصا المشتركة في مجمع النقابات ، وفي بعض الاحيات فان هذه اللجان التي لا تملك كيانا قانونيا بذاتها تتحول الى لجان عمل سياسي يصدر القرارات خارج المرجعية الشرعية للهيئات المنتخبة في كل نقابة مما دفع الحكومة الى احالة الموضوع الى الديوان الخاص بتفسير القواني ( القرار (14) لسنة 2002 صادر عن الديوان الخاص بتفسير القوانين ) ، وبالتالي تصعيد الخلاف بين الحكومة والنقابات دون ان تكون للمهنيين مصلحة في ذلك .
في هذا المجال يجب ان لا يتجاوز الدور المباشر الخاص بالعمل السياسي للاحزاب ، ذلك ان الجسم المهني يمثل سائر الوان الطيف السياسي الاجتماعي ، وعلى الهيئات المسؤولة ان تعكس الاجماع الوطني او التوافق العام وان لاتقوم باية اعمال او مبادرات خلافية تمثل اتجاها دون اخر ، ولا يجوز اطلاقا تجيير عمل النقابات لمصلحة طؤرف او لون سياسي بعينه .
استنادا لهذه الحيثيات تتقدم اللجنة بالمقترحات و التوصيات الآتية:
- تعدل التشريعات القائمة بما يتلاءم مع المقترحات الواردة أدناه
- إلزامية العضوية:تبقى إلزامية العضوية قائمة كما هو الوضع الحالي.
- الهيكل النقابي و آليات التمثيل:
- استنادا إلى ما سلف بيانه ينشأ في كل نقابة بموجب نظام خاص بها مجلس موسع أو هيئة مندوبين (الهيئة الوسطية) تحل محل الهيئة العامة و تمارس جميع صلاحياتها.
- إلية انتخاب هيئة المندوبين:يقوم الانتخاب على مبدأ التمثيل النسبي الدقيق, بحيث تعكس هذه الهيئة مكونات الهيئة العامة بصورة دقيقة و تكون قادرة على تمثيل مختلف الشرائح و المصالح و اتجاهات الرأي الموجودة داخل القاعدة المهنية .وينص القانون العام على هذا المبدأ و يترك للنظام الخاص بكل نقابة تفاصيل تشكيل الهيئة من المندوبين بما يتناسب مع طبيعة التقسيمات القطاعية أو الجغرافية أو أية تقسيمات أخرى خاصة بكل نقابة.
- تنتخب الهيئة الموسعة مجلس النقابة و تحدد مختلف المناصب والمؤسسات و اللجان وفق النظام الخاص بها , وينطبق المبدأ نفسه على الفروع و الشعب وفق التقسيم الخاص لكل نقابة.
- النصاب الشرعي للاجتماعات و القرارات بأغلبية النصف+ واحد.
- المالية و الصناديق: يعاد النظر في الأنظمة و التعليمات المالية الخاصة بالصناديق بما يكفل إدارة شفافة ومستقلة و رقابة فعالة. و يتم انتخاب اللجان الخاصة بالمالية و الصناديق و الاستثمار من الهيئة العامة (الهيئة الوسطية بعد تعديل القانون). و تكون الموارد مقسمة على الوجه الأتي:
- الاشتراكات ورسوم المداولة :تكون مخصصة للمصاريف الإدارية الجارية للنقابة.
- الرسوم الضريبية: تودع في حساب خاص و تكون تحت إشراف مستقل لتمويل النشاطات و
- مشاريع التأهيل المهني و التدريب و التنمية القطاعية و ما شابهها.
- صناديق الادخار و التقاعد و التكافل و التامين الصحي : تكون تحت إدارة مستقلة وفق الانظمة الخاصة بها وتحدد الأنظمة آلية مستقلة لإدارة الاستثمار وفق معايير علمية.
و المساءلة و التأديب: يتم من خلال لجان مشتركة نقابية و رسمية إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بهذه الجوانب بحيث تصبح المرجعية غير مقتصرة على طرف واحد و اعتماد آلية مناسبة تكون ضمانا للحق العام و مصالح المهنيين و كذلك المواطنين غير المهنيين.
في ضوء ما تقدم :-
فان اللجنة لا ترى ضرورة لاستمرار النصوص الاستثنائية الواردة في قوانين النقابات المهنية من حيث الصلاحية مجلس الوزراء بحل أي مجلس نقابة أو تجمع نقابي . وتوصي اللجنة عند إحداث التعديلات التشريعية المقترحة أن يتم إلغاء هذه النصوص.